لا يمكن للتمثل الحسي ان يتحقق إلا بتوفر ثلاثة عناصر أساسية :
1. المحسوس
2. الحاسة
3. أداة التوصيل بين الحاسة والمحسوس.
ولو فقد أحد هذه العناصر أو تعطل لا يمكن تحقق التمثل الحسي فالشجرة – على سبيل المثال الحسي البصري – يمثل المحسوس , وتمثل العين الحاسة , وتمثل انعكاس صورة الشجرة على العين أداة التوصيل , فلو اختفت الشجرة , أو تعطلت العين , أو تعذر توصيل لم يتحقق التمثل الحسي .
ويختلف عنة التخيل , لأن المخيلة تحرر من شروط الحس كلها , إذ يتم استرجاع الصورة المختزلة فيها من دون الحاجة الى : محسوس أو حاسة أو أداة توصيل , غير ان المستقر الثابت – هنا – هو استعادة الصورة المختزنة بحسيتها .
إن هناك فرقا جوهريا بين الحس والتخيل ذلك إن الأول محدود وضيق , بحيث لا يستطيع الإنسان تغييرها أو إعادة تشكيلها , بخلاف التخيل الذي تسهم فيه المخيلة بإلباس الصور المختزلة بهيئات واشكال لم تكن موجودة في أصلها المادي , بل تتمكن المخيلة من إختراع هيئات وأشكال جديدة , بـمعنى ان المخيلة لها القدرة على الإعادة والتشكيل والخلق على غير مثال سابق .
وتبدو علاقة الإنسان العادي بـماضيه ميكانيكية يتم فيها استرجاع صور الماضي للتمتع بها أو التألم منها , وقوامها مجرد استحضار – الصور – المختزنة في الذهن على وفق تتابعها في سياقاتها في الزمن .
إن الماضي ليس منفصلا عن حاضر الإنسان ومستقبله لأن وجوده الحقيقي الآني والمستقبلي مقترن به كاقتران المعلول بعلته أحيانا , كما ان تكوينه يتشكل ويتبلور في إطار عملية من الجدل بين ذلك القريب / البعيد ( الماضي ) وما يحصل في واقعه اليوم وعلى الرغم من قدرتنا على استعادة الماضي واسترجاعه فإن هذه العملية تخضع لمؤثرات خارجية , الأمر الذي يجعل منة عجينة لدنة غير قابلة للثبات والاستقرار , لان الاسترجاع وان كان يستعيد صور الأشياء المختزنة فأن مثيرات الحاضر ووعي الأنسان الآني يسقطان على الصور المسترجعة من مشكلات ومعضلات وطرح أسئلة وانتظار إجابات , ولذلك فأن هناك جدلا بـين الوعي الإنساني وواقعة وطبيعة الصور المسترجعة .
وقد يبدو الماضي كائنا ينمو ويتطور بمقدار تطور الإنسان الفكري والنفسي , لأنه جزء لا يتجزأ من وجودة الحقيقي , صحيح ان البعض الناس يتوقف تطورهم النفسي والمعرفي في مرحلة معينة لا يتجاوزونها , ان لم يتراجع أحيانا .
إن دلالة الماضي أعم من أبعاده الزمنية الضيقة الى زمانية / مكانية اشمل تكتنف ما يقع فيه من احداث تاإريخية أو تجارب إنسانية , وأفكار معرفية وثقافية , بمعنى إن الماضي وإن كان يقع وراءنا فأننا نحمله معنا ونقدمه احيانا على حاضرنا ومستقبلنا , ونعد امتلاكنا له ثروة حقيقية .
إن عودتنا واسترجاعنا للماضي يتضمن قطعا استحضار الآخر الذي سبقنا في المعرفة والإبداع في العصر الحديث , والذي نعي تماما حتمية الانفتاح عليه والاطلاع على منجزاته والإفادة من تقدمة , ومعرفة أسباب تطوره وازدهاره .
ويبدو ان هناك جدلا بين مكونين ( استرجاع الماضي ) و ( استحضار الآخر ) لان معرفة ذاتنا لا تتحقق في أغلب الأحيان إلا بمعرفة الغير وان وعي تخلفنا لا يدرك إلا بمعرفة تقدم الآخر .
ان تجازنا لحالات التخلف لا تتحقق بالعزلة وإغلاق النوافذ ودس الرؤوس في التراب كما تفعل النعام , وإنما يتم من خلال الثقة المطلقة بالذات ووعي الماضي – ومن ضمنه التراث – نقديا , ومن ثم مواجهة الآخر , وتعني المواجهة – هنا – التسلح بالوعي لفهم الآخر , ونقدا لتراث وتأسيس معرفة جديدة , وإرساء قواعد لحضارة متطورة .
إن الانفتاح على الآخر لا تعني تماهيا معه , بحيث نلغي الخصائص الفردية والحضارية للإنسان والأمة , وإنما محاولة الاستفادة لما يؤسس لأفكار التقدم ويسهم بشكل فاعل في ترسيخ المبادئ والقيم العقلانية .