ان المنهج ليس تأليف كتاب .. إنما هو يشبه عمل الرسالة والنبوة مع فارق المثل ، طريقة وآليات وتدريب وأدوات .. إن الدولة لا تتدخل ما دام السطح الذي تطالعه لا يتعارض مع التوجهات العامة .. لكنها مهما بلغت تبقى تجهل البنى العميقة التي ارتكزت عليها طبيعة النصوص ..

في تعاملي مع تأليف كتب المطالعة من الصف الأول المتوسط إلى السادس الثانوي .. كنت أدرك جيدا ً النصوص التي يتم إختيارها من الماضي أو من الآخر ، لها سياقاتها التاريخية والاجتماعية والمعرفية ولذلك فإن الجزء الحقيقي هو الذي يختفي تحت الماء من جبل الثلج .. وما تراه هو الجانب المرئي . !!
قد لا أكون مبالغا ً اذا قلت إن لكل نص ظاهرا ً وباطنا ً ، الدولة لا ترى إلا الظاهر وربما السطحي ، أما المؤلف المثقف صاحب الرؤية بالمعنى الصوفـي يمتلك انساقا ً عميقة لبنيات تحتية وثيرة .. إنها المسكوت عنه .. ولو عدنا إلى التراث لأدركنا إن هناك الكثير ممن كتبوا .. وجعلوا المسكوت عنه يبحر بين السطور وإلا .. لو أدرك الآخرون طبيعة المسكوت عنه لنحروا من قاله نحرا !!
اشترك معي – أساسا ً – في التأليف شخصان انتقلا إلى رحمة الله – زاهد في حياته بروح الصوفـي الدمث –( تركي الراوي) وآخر مثقف مستقبلي قتلته أياد خبيثة بعد أن اختطفته .. ( علي عبد الحسين مخيف ) تماما ً مثل الحلاج والسهروردي .
كنا نضع نصب أعيننا أن تكون كتب المطالعة تشكل رؤية التلميذ بحيث يكون قادرا ً على تذوق وتأمل النصوص وأن تفتح أمامه آفاقا ً معرفية عديدة , كان لابد أن يطلع على جوانب ثرية من التراث .. وبخاصة في الجوانب التنويرية .. هذا فضلا ً عن نصوص قرآنية وأحاديث نبوية .
ففي تعاملنا مع النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة إعتمدنا منهجا ً يقوم على شرح وتفسير وتحليل هذه النصوص في الصفوف الأولى والثانية والثالثة المتوسطة , ولكننا في الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة الإعدادية إعتمدنا طريقة أخرى بحيث نزود الطالب بتأملات التراثيين للقرآن الكريم .. ولذلك إخترنا الرماني والباقلاني والشريف المرتضى يتعاملون مع النصوص القرآنية وهم من مدارس فكرية مختلفة .
وكان جل اهتمامنا أن يطلع التلميذ على جرعات مختلفة ومتنوعة من الأدب والفكر والثقافة , وجعلنا الأولوية للأدب والفكر والثقافة العراقية , ثم تليها الثقافة العربية والعالمية ولقد زودنا التلميذ بنصوص عربية مختلفة ونصوص أجنبية من الأدب الإنكليزي والروسي والفرنسي وحتى الصيني !!
وتنوعت النصوص بين شعرية ونثرية ومعرفية يمتح جزء منها من التراث , وكلها يهدف إلى الارتقاء بالذائقة الأدبية والمعرفية واستجلاء جوانب جديدة ذات طوابع تنويرية .
وكنت أدرك تماما ً إن الثقافة العراقية المعاصرة تتميز بالتنوع والتعدد والتباين وكنت أدرك أيضا ً إن هذه الثقافة ليست كتلة مصمتة ومعلقة في الفراغ وإنما هي عجينة لدنة قابلة للتشكيل والتحوير والتغيير .. فهي تماما ً كالواقع لا تعرف الثبات والاستقرار بل هي في صيرورة دائمة .