لا يمكن فهم المعاني المتولدة من النص بمجرد تتابع الدلالات اللغوية الظاهرة إذ تشمل النصوص وبـخاصة المقدسة منها على دلالات متعددة , بـمعنى أن لها ظاهرا ليس هو المراد , ولها باطن هو المقصود , وأنه يبدو بشكل وآخر كاستعارة كبرى يراد منها معنى عاما غير الذي يفهمه عوام الناس بحدودها التاريخية والجغرافية المعروفة ولذلك بذل المفسرون والمفكرون من أجل انتزاع الدلالات من النصوص التي يدرسونها .
وخضع فهم النصوص المقدسة الى التفسير والتأويل وعني تراثنا بتحديد الفواصل بين هذين المصطلحين , إذ يكون الأول عاما والثاني خاصا ويعني التفسير بالنقل والرواية والجوانب العامة الخارجية للنص مثل أسباب النزول والقصص ونحوها : ويرتبط التأويل بالاستنباط , أي الدور الفاعل للقارئ في كشف الدلالة .
وهذا يعني أننا في التفسير مع الدلالة تحددها آليات النقل والرواية التي تحدد وجهة المعنى بهذا الاتجاه أو ذاك , بمعنى إن التفسير مغلق الدلالة , في حين أن التأويل منفتح الدلالة تغير أبعاده بتنوع العلوم , وتعدد الرؤى واختلاف المشارب .
وحدثني صديق كأنه قريني إن في سورة الفيل قدرا من التأويل إذ لا يصدق أنها ذكرت لمجرد حكاية ووصف لحدث تأريخي , إذ فضلا عن العبرة التاريخية فأننا يمكن أن نتأملها في ضوء حاضرنا الذي نعيشه اليوم . ومن الجدير بـــالذكر إن الفيل يمثل مرتكزا جوهريا في هذه السورة , من حيث اسمها , والأفراد الذين أضيفوا إليه .
إن التأكيد هنا على الأداة , وهو الحيوان الضخم يعني تأكيد القدرة على التدمير , ومن ثم آلة حرب , أو يمكن أن يكون المراد به كل آلة تدميرية تحقق كيد الشر مقصودة بهذا الوصف . سواء أكانت دبابة , ام مدرعة , أو سيارة (همر) … إلخ . وقد يدل هذا على ظاهر الآية ويتحول الإنسان الذي يأمر ( الفيل / الدبابة ) ـو يديرها .. بصاحب الفيل .. ومن الجدير بالذكر إن القرآن الكريم ذكر الفيل بأنه ليس له صاحب وإنما أصحاب , ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) , ولم يقل صاحب الفيل ( أبرهة ) وقد يكون المـراد بذلك جيش إبرهة .. وقد يكون المـراد متعدد من الأزمنة المختلفة . فأصحاب الفيل هم أبرهة والحجاج .. وغيرهما .. وقد يكون الفيل ليس آلة وإنما هو منصب سياسي أو اقتصادي يستخدم للشر , فقد يكون ملكاً أو رئيساً , وزيراً أو وكيلاً , مستشاراً أو مديراً عاماً..
وحين حدقت بعيني صديقي الذي كأنه قريني بالدهشة والاستغراب . أشاح بوجهه عني قليلا . ثم ردد الله أعلم . مرتين .